زعل الماء، وذاب، ثم هام على وجهه بين الصخور.
زقزق الباب. وخرج أبو محمود يسعل، ويدرج لفافة تبغ، ثم ذهب ليبول خلف أشجاره.
تثاءب الحطب، وطقطق متفاجئاً، ثم لنكمش حائراً بين يدي أم محمود.
احمر التنور ووجهها، فانتشى رغيف خبز، وسكر الهواء.
نعست لفافة في صحن الدار، فرفع رأسه عن كتابه الشاحب.
مسح عينيه، وعندما تنهد، انتفخت مثانته.
هرع، واختفى بين الأشجار.
سخر الكتاب، فصفعته نسمه، تخوصر، وهز ورقاته شاتماً، وهي تمضي هاربةً، تهز ذيلها الناعم.
استل يديه، واغتسل، وعاد يفرغ كتابه في جوفه الفارغ.
سعل أبو حسن منبِّهاً بقدومه.
ـ قح...قح... الله يصبحك بالخير أم محمود.
تلتفت أم محمود مبتسمة:
ـ الله يسعد صباحك.. ابعت أم حسن.. جمَّر التَّنّور.
أبو محمود كان يدرج لفافه.
ـ يسعد صباحك أبو حسن.. تفضّل.!!
ـ أَفْضَلْت.
رفع محمود عينيه عن الكتاب، وفرك جبينه:
ـ أهلين عمي أبو حسن... رجع حسن؟!
ـ رجع... إي والله رجع.. الحمد لله .. الحمد لله...
أجاب، وهو يهز رأسه، وينفخ نهاية قلق مع بقايا دخان.
احمر رغيف، ووجهها، ولفافه، ورأسه، وحركه في صحن الدار.
سيارة رمادية، أنجيت أربعة رجال، وابتلعت خمسه.
وقف الكتاب، فصفعته نسمة، وقع رغيف فوق الجمر وقرمّد..
يبست ْ يدها في عود الحطب، واشتعل النبض في صدرها الحار.
عاد راكضاً، يدرج لهفة أنفاسه، فرأى سيارة، تسرق الطريق، وتختفي في عينيه. تهالك، ثم عاد ليغيب في بستانه ببطء.
تأخر الصباح. جلس الديك في صحن الدار. تململ النّبع، فانسل الماء ذائباً. غطّ الحطب، تردد العصفور، ثم أطفأ ريشه المتوتر في سلس القطرات.
أم حسن تحمل قدر العجين فوق رأسها.
ـ الله يصبحكم بالخير. أم محمود ماخبزتي اليوم؟! التنور مطفي!!!
الله يصبحك بالخير أبو محمود... اعمل معروف وساعدني حتى نزِّل هـَ الطشت!!
ينهض أبو محمود بتثاقل حزين، يسعل ويهمهم ـ الحمد لله... الحمد لله...
يقترب، فتسأله أم حسن:
ـ شو صاير.. انشا الله خير.. ما رجع محمود؟!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق